الأمن الأسري في المغرب

تعتبر الأسرة الخلية الأولى في المجتمع ، و ركنه الأساسي ، بل نواته والمنتج لكيانه الروحي و المادي، وهي المكان الطبيعي لتربية طفل سيقول كلمته غدا، فإما أن يكون مواجها للمشاكل التي تعترض المجتمع أو يكون أحد أسبابها. كما تقوم الأسرة بأدوار تنشئوية أساسية، تتمثل في نقل وترسيخ قيم المجتمع، فداخلها يتشبع الفرد بالقيم الأساسية ، وتتبلور شخصيته، وتوضع معالمها ، وقد لخص بعض الباحثون التربويون آثار الأسرة على الناشئة فقالوا :

*الطفل الذي يعيش في أجواء النقد اللاذع يتعلم احتقار الناس
 *الطفل الذي يعيش في أجواء الأمن يتعلم الثقة بالنفس
 *الطفل الذي يعيش في أجواء العداء يتعلم المشاجرة و الخصومة
 *الطفل الذي يعيش في أجواء التقبل يتعلم محبة الخلق
 *الطفل الذي يعيش في أجواء الخوف يتعلم توقع الأذى و الضرر
*الطفل الذي يعيش في أجواء التفهم يتعلم تطوير الأهداف 

*الطفل الذي يعيش في أجواء الشفقة يتعلم الأسف لما يحدث معه
 *الطفل الذي يعيش في أجواء الصدق يتعلم سلامة الصدر
 *الطفل الذي يعيش في أجواء الغيرة يتعلم الشعور بعقدة الذنب
 *الطفل الذي يعيش في أجواء اللطف يتعلم رؤية خير الحياة و جمالها
 *الطفل الذي يعيش في أجواء الغيبة يتعلم سوء الظن
 *الطفل الذي يعيش في أجواء العصبية يتعلم التكبر على الناس
 *الطفل الذي يعيش في أجواء الفوضى يتعلم الارتجال
اذن للأسرة أثر كبير على الفرد و بالتالي على المجتمع ، لذا ارتأيت أن يكون موضوع مقالي حول الأمن الأسري في المغرب ، باعتبار الأمن حق من حقوق الأسرة وضرورة للحصول على مناخ أسري يسوده الاستقرار و الاطمئنان، وبالتالي صالح لتكوين النشء الطبيعي المساهم في البناء لا الهدم.

والأمن لغة مشتق من آمن يأمن أمنا فهو آمن ، وأمن بمعنى اطمأن ولم يخف فهو آمنٌ ويعني كذلك الاستقرار و الاطمئنان . فالأمن طمأنينة قلبية تسلم إلى السكون النفسي والرخاء القلبي .

وقد عرف علماء الاجتماع الأمن بأنه الحالة التي يكون فيها الإنسان محمياً ضد أي خطر يتهدده ، كما أنه إحساس يمتلك الإنسان من خلال التحرر من الخوف سواء بسبب غياب الأخطار التي تهدد وجوده ، أو نتيجة لامتلاكه الوسائل الكفيلة بمواجهة تلك الأخطار في حال ظهورها .وقد قال سبحانه وتعالى في سورة قريش  (( فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف )) صدق الله العظيم ، كما قال صلى الله عليه وسلم : (( من أصبح آمنا في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيدت له الدنيا بما فيها )) . و هكذا فنعمة الأمن هي من أعظم النعم التي يكتسبها الإنسان فيكون آمناً على نفسه وعلى ماله وولده وعرضه بل وعلى كل ما يحيط به من استقرار اقتصادي، سياسي و اجتماعي .

  و الإحاطة بموضوع  » الأمن الأسري في المغرب » يقتضي طرح سؤال من قبيل: 

 *ماهي المجهودات المبذولة من طرف الدولة لتحقيق الأمن الأسري؟

للإجابة عن هذا السؤال سأحاول وضع مقاربة للأمن الأسري في المغرب من خلال  المجالات الآتية :

1-المجال القانوني

2-المجال المؤسساتي

3- المجال الاجتماعي

المجال القانوني

لا يمكننا الحديث عن تحقيق أمن أسري سريأدون تشريع قوانين تحمي أفراد الأسرة سواء الزوجة أو الزوج

 أو الأطفال مما قد يتعرضون له من عنف أو إساءة لمصالحهم و لكيانهم كأشخاص لهم حقوق يجب تمتعهم بها وواجبات عليهم الالتزام بها، والمشرع المغربي استحضر هذا المعطى من خلال دستور 2011 و مدونة الأسرة .

*الدستور: 

دستور2011 استحضر من خلاله المشرع المغربي الدور المحوري والمهم الذي تلعبه الأسرة في بناء المجتمع  ، فنص في الفصل 32 على تأسيس مجلس استشاري للأسرة والطفولة الذي سيتولى حسب الفصل 169 من الدستور تأمين وتتبع وضعية الأسرة والطفولة ، بحيث ستكون من أهم أدواره إبداء الرأي حول المخططات الوطنية المتعلقة بالأسرة وإدارة النقاش العمومي حول السياسة العمومية الخاصة بها، وضمان تتبع وإنجاز البرامج الوطنية المقدمة من قبل مختلف مكونات المجتمع المغربي.

*مدونة الأسرة

مدونة الأسرة قانون تدارك من خلاله المشرع المغربي الثغرات والعيوب التي كانت تشوب قانون الأحوال الشخصية ، معتمدا إصلاحات جوهرية ترمي إلى صيانة كرامة الرجل، الدفاع عن المرأة ،حماية حقوق الطفل وجعل المسؤولية عن الأسرة مسؤولية مشتركة بين الزوج و الزوجة على قدم المساواة وليست حكرا على الرجل فقط. كما نص بصريح النص على الاجتهاد من أجل تحقيق المساواة والعدل والمعاشرة بالمعروف بين مكونات الأسرة، خاصة بين الزوجين، انطلاقا من المبادئ السمحة للدين الإسلامي، مستندا على المذهب المالكي. حيث نصت المادة 400 من المدونة ما يلي: » كل ما لم يرد به نص في هذه المدونة، يرجع فيه إلى المذهب المالكي والاجتهاد الذي يراعى فيه تحقيق قيم الإسلام في العدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف « .

وحفاظا على كيان الأسرة من التشتت والضياع و درءا لتداعيات هذين الأخيرين على المجتمع وما يجران عليه من ويلات ،عمل المشرع المغربي على إحياء المؤسسات التحكيمية من خلال المادة 82 من مدونة الأسرة التي نصت على ما يلي  » للمحكمة أن تقوم بكل الإجراءات بما فيها انتداب حكمين أو مجلس العائلة أو من تراه مؤهلا لإصلاح ذات البين ، وفي حالة وجود أطفال تقوم المحكمة بمحاولتين للصلح تفصل بينهما مدة لا تقل عن ثلاثين يوما  » .

وبغية تحقيق العدل و الإنصاف داخل الأسرة ، نصت المدونة في بعض موادها على عقوبات زجرية في العديد من الحالات نذكر منها:

* تدليس الزوج للحصول على بعض الوثائق من أجل الحصول على الإذن بالزواج  فنصت المدونة في المادة 65 على الحالات التي يجب فيها الحصول على الإذن بالزواج من قاضي الأسرة وهي :

             –  تعدد الزوجات

             – الزواج دون سن الأهلية

             – زواج معتنقي الإسلام و الأجانب

            – زواج الشخص المصاب بإعاقة ذهنية

            – استلام العسكريون و أفراد الدرك الملكي و القوات المساعدة وموظفو الإدارة العامة للأمن الوطني ترخيصا للزواج من لدن المصالح المختصة تفعيلا لقرار وزير العدل الصادر بتاريخ 3 فبراير 2006.

* التعدد المشوب بالتدليس

*التوقف عن أداء النفقة للأولاد

المجال المؤسساتي

فيما يهم المجال المؤسساتي نجد المغرب قد أسس مجموعة من  المؤسسات الحكومية و المؤسسات الرسمية التابعة لها تعنى بالأسرة وهي كالتالي :

1 المؤسسات الحكومية :

*وزارة التنمية الاجتماعية و الأسرة والتضامن : فهي تهتم بالمجال الاجتماعي بما فيها محاربة الفقر مع البحث عن الوسائل الكفيلة لتحقيق ذلك ، وذلك بالتنسيق بين باقي الوزارات لحماية الأسرة و الأطفال .

*وزارة الصحة : من ضمن مهامها الاهتمام بصحة الأطفال وذلك عن طريق وضع برامج وقائية وعلاجية لصحة الأم و الطفل والتلقيح الإجباري والتغطية الصحية الإجبارية .

*وزارة التربية الوطنية و التعليم العالي و تكوين الأطر و البحث العلمي : ويتجلى دورهم في تأمين التعليم الأساسي للأطفال ومجانيته .

*وزارة الشباب و الرياضة : من بين مهامها تشجيع الأطفال والشباب على ممارسة الأنشطة الرياضية   وتنظيم المخيمات الصيفية وكذلك رعاية الأطفال في وضعية مخالفة للقانون عبر مراكز حماية الطفولة .

*وزارة الداخلية : تتعاون مع القضاء لتثبيت هوية الأطفال وذلك من خلال نظام الحالة المدنية ، كما تعمل من خلال الأمن الوطني على ضمان أمن الأطفال من خلال شرطة الأحداث .

*االمجلس الاستشاري لحقوق الانسان : وهو مؤسسة وطنية تأسست سنة 1990 تعمل على تتبع حقوق الإنسان بالمغرب وفقا للاتفاقيات الدولية .

*مؤسسة محمد الخامس للتضامن: هدفها محاربة الفقر عن طريق دعم تمدرس الفتيات القرويات و تأهيل الأطفال المعاقين لإعادة إدماجهم في المجتمع .

 * مؤسسات حماية الطفولة: وهي مؤسسات تتكلف بالإشراف على رعاية الأحداث الموجودين في وضعية مخالفة للقانون ،تقدم لهم مجموعة من الخدمات الاجتماعية و التربوية و الصحية الكفيلة بتأمين إصلاح الطفل و تقويم سلوكه و اندماجه في المجتمع، عن طريق ضمان تكوين دراسي و مهني للطفل كما تعمل على ترسيخ الروابط بين الحدث ووسطه العائلي .

المجال الاجتماعي

من أجل توفير أمن أسري للأسر المغربية التي تعاني من الفقر والهشاشة ،عملت الدولة على خلق العديد من الصناديق و الوكالات والبرامج بغية تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال تمكين الأسر المحتاجة والقاطنة في المناطق النائية من حياة كريمة ، وذلك بتقديم مساعدات في العديد من المجالات كالمجال الصحي والغذائي و التعليمي ونذكر منها :

*برنامج تيسير وهو برنامج يعمل على الدعم المشروط  بتمدرس أطفال الأسر القاطنة بالمناطق التي تسجل معدلا مرتفعا في نسبة الهدر المدرسي.

*صندوق دعم الأرامل خصص للأرملة 1000 درهم كتعويض شهري.

*صندوق التكافل العائلي  خصص مبلغ 350 درهم للطفل الواحد على أن لا يتجاوز المبلغ الإجمالي للأسرة الواحدة 1050 درهم.

*نظام المساعدة الطبية « الرميد » وهو برنامج يهدف الى تحسين الولوج للعلاج تفعيلا لمقتضيات دستور 2011 موجه للفئة الاجتماعية المحدودة الدخل .

*المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ورش ملكي أعطى انطلاقته صاحب الجلالة الملك محمد السادس في خطابه السامي بتاريخ 18 مايو 2005، هدفه التقليص من الفوارق الاجتماعية والجغرافية و القضاء على الفقر والهشاشة للقضاء على كل إقصاء اجتماعي و اقتصادي  .

*وكالة تنمية أقاليم الشمال والشرق والجنوب تبقى من أهم مهامها تصحيح الاختلال في مجال التنمية وفي معدلات النمو .

*الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية، مهمتها توفير التعليم لكل المواطنين و المواطنات الذين لم تسعفهم الظروف على التعليم ،وذلك عن طريق عقد شراكات مع فعاليات المجتمع المدني كالجمعيات و غيرها .

*المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي وسيشتغل في شقه الاجتماعي على السياسات الاجتماعية  المتعلقة بالعناية بالأشخاص المسنين والمساواة بين الرجل والمرأة في المجال الاقتصادي، ومهام المدرسة الثقافية وتحدياتها التكنولوجية.

ويبقى ما يعرفه المغرب من هشاشة اجتماعية واستفحال الفقر  وتسول وتشرد العديد من الأطفال يجعل تساؤلا كبيرا معلقا:

*هل استطاع المغرب باعتباره دولة ترنو إلى تكريس الحقوق و الحريات أن يحقق أمنا أسريا لجميع الأسر المغربية ؟

التعليقات معطلة.