زواج القاصرات ……. رق في حلة جديدة

الأسرة نواة المجتمع، لبنته الأولى والمكون الأساسي له ،فيها يتربى أجيال الغد ، من سيحمل المشعل مستقبلا. لذلك ستؤثر فيه سلبا أو إيجابا، سواء بالقوة أو الضعف، التقدم أو التخلف، فبصلاحها يصلح المجتمع ،وبفسادها يفسد، فإذا أردنا بناء مجتمع محصن بمواطنة صالحة وبصرح تنموي حضاري آمن، ومجتمع متقدم فلزاما علينا أن نعطي للأسرة العناية الكاملة وذلك عبر النهوض بوضعيتها  الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية.ودستور2011 تدارك  الدور المحوري والمهم الذي تلعبه الأسرة في بناء المجتمع ، فنص في الفصل 32 على تأسيس مجلس استشاري للأسرة والطفولة الذي سيتولى حسب الفصل 169 من الدستور تأمين وتتبع وضعية الأسرة والطفولة. والأسرة هي زوج وزوجة وأطفال ناتجين عن علاقة زوجية شرعية ، والزواج بدوره عرفه  دستور 2011  بأنه تلك العلاقة القائمة على زواج شرعي ،وحسب المادة 19 من مدونة الأسرة تكتمل أهلية الزواج بإتمام الفتى والفتاة المتمتعين بقواهما العقلية 18 سنة شمسية كاملة. ونلاحظ هنا أن المشرع المغربي اشترط في

الزواج الأهلية القانونية التي حددها الدستور في 18 سنة شمسية كاملة ،كما اشترط توفر القوة العقلية ،وهذين الشرطين أساسيين ومهمين لتكوين أسرة ، فحينما يبلغ الفتى أو تبلغ الفتاة سن الثامنة عشر يكتمل نضجهما العقلي والجسماني ،فالفتاة في هذه المرحلة من تكوينها الفسيولوجي يصبح جهازها التناسلي قابل لإقامة علاقة جنسية، وكذلك قادر على احتضان جنين ،أما من الناحية العقلية فتستطيع الفتاة تدبير شؤونها الأسرية باستقلالية تامة ،بعيدا عن أسرتها وأسرة زوجها.

 لكن هذين الشرطين المتمثلين في النضج العقلي و الجسماني لا يتوفران  في الفتاة القاصر، فهذه الأخيرة غير مستعدة لتكوين أسرة ،نظرا لعدم اكتمال نضجها سواء العقلي أو الجسماني ،لكن بالمقابل وعلى أرض الواقع نجد زواج القاصرات قد استفحل في المغرب، فحسب الإحصائيات الصادرة عن وزارة العدل والحريات عدد هذا النوع من الزواج

سنة 2010 بلغ 34777 حالة ،وسنة 2011 سجلت 35152 في حين سنة 2013 بلغ 39031 .ومن خلال هاته الأرقام يتضح جليا بأن المادة 21 من مدونة الأسرة والتي تنص على إمكانية تزويج القاصر تستغل أيما استغلال بالرغم من أنها استثناء ،ناهيك عن التحايل الذي قد تقوم به بعض الأسر في حالة رفض القاضي منح الإذن بتزويج القاصر،وهنا تطرح تساؤلات من قبيل:

*ماهي أسباب استفحال ظاهرة زواج القاصرات؟

*ماهي تداعيات زواج القاصرات على المجتمع؟

*ما السبيل للحد من ظاهرة زواج القاصرات؟

زواج القاصرات في المغرب نجده مستفحلا في البوادي والقرى والمناطق النائية أو ما يصطلح عليه بالمغرب العميق، هذه المناطق تتجدر فيها أعراف وتقاليد ما أتى الله بها من سلطان ،بل هي تقاليد و أعراف كرسها الفقر والأمية والتهميش التي تعاني منها هذه المناطق من بلدنا،فالفتاة  هناك لا تلج المدارس ،وحتى وإن ولجت  المدارس لا تكمل دراستها الإعدادية أو الثانوية لبعد هذه الأخيرة عن الدوار ،ورفض الأهالي ابتعاد الفتاة عن الدوار أو القرية اجتنابا لما يمكن أن يصاحب ذلك من أقاويل واتهامات في الشرف،فيكون مصيرها البيت مما يجعلها عبئا ثقيلا على أسرتها ، و السبيل الوحيد للتخلص منها تزويجها لأول خاطب يطرق الباب،كما أن الفقر يعتبر من أهم أسباب تزويج الفتاة القاصر ،فالأسر التي تعيش تحت خط الفقر تبيع فلذات أكبادها لأي خاطب ميسور يتقدم لخطبة ابنتهم ولو كان يبلغ من السن عتيا،مما يجعلنا أمام ظاهرة رق لكن في حلة جديدة.  فالرجل الذي يطلب الزواج

من فتاة قاصر لازالت في حاجة لحضن وحنان والديها ، لازالت في حاجة إلى التكوين ، لم يكتمل نضجها العقلي بعد ،فأكيد هو طالب جسد،طالب متعة جنسية لا أقل و لا أكثر ،وبالتالي فمصير هذا النوع من الزواج الفشل ،فبعد سنة أو سنتين تطلق الفتاة وهي في ربيع عمرها بطفل أو طفلين ، فتجد نفسها مسئولة عن أطفال في حاجة للأكل والتمدرس والتطبيب بل الأدهى من ذلك غير مسلحة لا بمستوى تعليمي ولا تكويني يؤهلها الحصول على شغل   ، في مجتمع غاب فيه التكافل العائلي والاجتماعي، وغابت فيه مسؤولية الدولة اتجاه مواطنيها الضعفاء ،إذن مرحبا في هذه الحالة  بطفولة محرومة ومشردة، ومرحبا بأمهات تبيع أجسادا لسد الرمق.سيما و الوحوش الكاسرة الغائب ضميرها مستعدة لاغتنام الفرصة و شراء عفة ضحاياها ،مما سيؤول في النهاية بكارثة على المجتمع. 

وتشريع ترسانة قانونية، كتحديد سن الزواج في 18 سنة ،لن يحد من ظاهرة زواج القاصرات إذا لم تصاحبه إصلاحات وإجراءات فعلية،كتحقيق العدالة الاجتماعية ،وذلك بالرفع من المستوى المعيشي للأسر الفقيرة،محاربة الأمية وتشجيع الأسر على تعليم بناتها،  بناء إعداديات وثانويات بالدواوير والقرى للحد من الهذر المدرسي،بناء مراكز تكوين، تقريب الخدمات لساكنة البوادي والقرى والمناطق النائية .لأنه بكل بساطة إذا أردنا القضاء على ظاهرة معينة يجب القضاء على أسبابها.

التعليقات معطلة.