عفوا… المرأة إنسان

الفكر الذكوري هو ذاك الفكر الذي يجعل من الذكورة معيارا للتمييز بين الرفيع و الوضيع ، القوي و الضعيف، المقدس و المدنس ، مما يجعل حامليه يعتبرون المرأة كونها أنثى وليست ذكرا وضيعة ، ضعيفة ومدنسة ، هذا  الفكر ليس وليد اللحظة بل استفحل منذ الأزل ، امتد عبر العصور و الأزمنة ، وهو ما يفسر الجدل القائم على امتداد التاريخ حول المرأة سواء داخل المجتمعات أو في التشريعات ، فاختلفوا في تعاملهم معها ، هضموا حقوقها، اضطهدوها واعتبروها بضاعة باعوا فيها و اشتروا في ضرب سافر لإنسانيتها و كرامتها ،بل وصل الأمر إلى التشكيك في كونها إنسان ولها روح. الإغريقيون مثلا أهانوا المرأة ،احتقروها وجعلوها بضاعة تباع و تشترى بل وصل الأمر بهم إلى اعتبارها رجسا من عمل الشيطان فحرموها من الإرث وحق التصرف في الأموال . أما الرومان فأذاقوها أشد أنواع التعذيب تحت شعار ” ليس للمرأة روح” كما قالوا عنها “إن قيدها لا ينزع و نيرها لا يخلع” فقيدوها بالأعمدة وسكبوا عليها الزيت الحار وربطوها بذيول الخيول وجعلوا هاته الأخيرة تركض بسرعة قصوى إلى أن تفيض روح المرأة لبارئها. وقال عنها الهنود ” ليس الصبر المقدر والريح و الموت و الجحيم والسم و الأفاعي و النار أسوأ من المرأة ” بل شك الفرنسيون في كونها إنسان و لها روح فعقدت الكنائس لقاءا سنة 586م موضوعه “هل المرأة إنسان ؟ وهل لها روح؟ ” ، أما الصينيون فشبهوها بالمياه المؤلمة التي تغسل السعادة و المال وجعلوها ثروة لأهل زوجها بعد وفاته ،كما منحوا الزوج حق دفن زوجته وهي حية .
ومع تقدم الشعوب بدأت تتغير تلك النظرة الدونية للمرأة  فمنحتها بعض الحضارات والتشريعات مجموعة من الحقوق التي سلبت منها قبلا . ففي ظل الحضارة الفرعونية حظيت المرأة بمكانة متميزة لم تكن لدى بنات جلدتها في الحضارات السابقة فكان لها حق اختيار الزوج و لها سلطة في إدارة شؤون بيتها و حقلها بل والعمل والمشاركة في إعالة بيتها ، أما داخل القصر الفرعوني شاركت في الحكم وربت من سيخلف العرش . وعلى سبيل المثال لا الحصر أشير هنا إلى ما نصت عليه بعض التشريعات القديمة من حقوق للمرأة :


قانون أورنامو:  وهو من أولى التشريعات التي ظهرت في بلاد الرافدين  شرع ضد الاغتصاب و منح الزوجة الحق في إرث زوجها. .
قانون حمورابي : خصص 92 نصا للمرأة من أصل 282 ، فنص على حق المرأة في البيع و التجارة و الوراثة و التوريث.
شريعة بيت عشتار: جاءت بعد شريعة أورنامو بسبعين سنة حافظت على حقوق المرأة المريضة و العاجزة و حقوق البنات الغير متزوجات.
من خلال هاته التغيرات التي حدثت على مستوى مكانة المرأة عند مختلف الشعوب و في العديد من التشريعات نستنتج أن الإشكالية هي إشكالية فكر و ليست إشكالية تكوين بيولوجي أو كفاءة أو قدرة أو ذكاء ، ولعل التاريخ يعطينا دليلا قويا كون المرأة لا تختلف عن الرجل قدرة و كفاءة و ذكاء ، فعبر التاريخ وجدت ملكات عديدات حكمن أعرق الحضارات و داع صيتهن مشارق الأرض و مغاربها أذكر على سبيل المثال لا الحصر:
الملكة زنوبيا حكمت تدمر في القرن الثالث ميلادي ، تولت الملك في الرابعة عشر من عمرها ،اشتهرت بالشجاعة و الذكاء في تدبير شؤون مملكتها ، حاربت جانب جنودها و امتد نفوذها على جزء كبير من الشرق مما جعل تذمر تعرف ازدهارا كبيرا في عهدها.
حتشبسوت اعتبرت أذكى الملكات اللواتي حكمن مصر استمر حكمها 20 سنة ، عرفت الحقبة التي حكمت فيها بالسلم و الأمن، اهتمت بالتجارة وبذكائها استطاعت التغلب على الاحتجاجات الشعبية الرافضة لحكم المرأة .
الملكة بلقيس ذكرها المولى عز وجل في القرآن الكريم و منحها مكانة عالية ، هي ملكة حضارة سبأ باليمن القديم ، اشتهرت بفطنتها ورزانتها ورجاحة عقلها وحسن تدبيرها لمملكتها ،وقد خلصت شعبها من بطش ملوك أرادوا الشر لهم و لمملكتهم.
سميراميس الحمامة الآشورية وسميراميس تعني سيدة البلاط ، حكمت الإمبراطورية الآشورية رفقة زوجها لما يناهز 42 سنة وبعد وفاته استمرت في الحكم خمس سنوات،اشتهرت بحدة الذكاء وخلال فترة حكمها أشرفت على بناء مدينة بابل.
إذن من خلال ما حققته المرأة في مختلف العصور والدور الكبير الذي لعبته في إنشاء العديد من الحضارات أقول :
عفوا ، المرأة أنثى إنسان و الرجل ذكر إنسان ولا فرق بينهما من حيث العقل و الذكاء والفطنة والقدرة على التدبير و التسيير، ولهذا فلزاما علينا القيام بإصلاح فكري ثقافي لوضع قطيعة مع الفكر الذكوري الذي يحول دون تمكين المرأة من جميع حقوقها ، علينا ترك الأفكار البالية المقزمة لقدراتها ، فالمرأة نصف المجتمع إن لم نقل ثلاث أرباعه ،  ومساهمتها في تنميته والنهوض به أمر ضروري ، فمجتمع بدون امرأة فاعلة عاملة فيه هو مجتمع مشلول و معاق ……..

التعليقات معطلة.