الرباط ـ «القدس العربي»: لم تكن تصريحات وزير العدل عبد اللطيف وهبي، بخصوص النفقة المشتركة بين الزوجين وتقنين العمل المنزلي وتفاصيل أخرى تهم الحياة الأسرية والزوجية، مجرد مزايدة عابرة كما وصفها البعض، بل كانت بمثابة إعلان عن النية في إجراء تغيير كبير سيطال الأسرة المغربية بالقانون وليس بما هو متعارف عليه، وهو ما دفع التيار المحافظ المتمثل في الإسلاميين إلى إعلان ما يشبه الحرب على المسؤول الحكومي المذكور بسبب مواضيع شائكة أخرى ذات الصلة، إلى درجة وصفه بـ “وزير الفساد” من طرف الأمين العام لحزب “العدالة والتنمية” المعارض، الذي سبق أن شغل منصب رئيس الحكومة في ولاية سابقة.
بالنسبة للعديد من المتتبعين، فإن تركيز “الإسلاميين” على تجليات مثل طلب عقد الزواج في الفنادق والعلاقات الرضائية، هي مجرد فيض من غيض “الاستفزاز” الذي يعتبرون أنفسهم تعرضوا له، ومعهم الأسرة المغربية وعموم المجتمع الذي قد يعرف رجة حقيقية في حالة تشريع تلك القوانين لتتحول إلى أمر واقع لا مناص من الالتزام به تحت طائلة العقوبات الزجرية.
أول قطرة في سيل الدعم الذي يتلقاه وزير العدل وهبي من طرف المنظمات والهيئات والجمعيات الحقوقية والنسائية الحداثية أو “العمانية” حسب وصف الإسلاميين، جاء عبر بوابة “جمعية التحدي للمساواة والمواطنة” التي أكدت أن “النفقة المشتركة” بين الزوجين “واقع يومي تعيشه الأسرة المغربية وتؤكده تقارير رسمية”، كما أن “العمل المنزلي أحد أبرز صوره الذي يحتاج إلى تقنين واضح بالتشريعات الوطنية”.
هذا السؤال الذي يبدو مؤرقاً للمحافظين طرحته “القدس العربي” على الكاتبة والباحثة في قضايا النوع مارية الشرقاوي، التي أفادت بأنه “قبل الإجابة عن السؤال، أجد من الضروري الإشارة إلى كون المساواة بين الجنسين حقاً أساسياً من حقوق الإنسان، نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومجموعة من المواثيق والعهود الدولية التي صادقت عليها المملكة المغربية”.
وأوضحت الحقوقية الشرقاوي أن النساء المغربيات يؤمن “بأننا إنسان كامل وليس هناك فرق بيننا وبين الرجل في الحقوق والواجبات، كما أن المساواة قيمة لا تتجزأ، إما أن نأخذها كاملة أو نتركها كاملة، ومن يطالب بالمساواة عليه المطالبة بها بشكل شمولي وليس جزئياً حسب هواه أو ما يخدم مصلحته”.
وحسب الكاتبة والباحثة في قضايا النوع، فإن “قمة التناقض أن نناضل كفاعليات نسائية من أجل تفعيل المساواة بين الجنسين في التعليم والعمل، والمشاركة في الحياة السياسية بما فيها التمثيلية بالمجالس المنتخبة ومراكز القرار وإلى غير ذلك من مجالات الحياة، وفي الوقت نفسه نطالب بإسقاطها في مواضيع معينة”.
وعليه، تؤكد مارية الشرقاوي، فإن “المساواة تقتضي تحمل كل من الزوج والزوجة مسؤولية الإنفاق على الأسرة حسب الدخل طبعاً، وواجب نفقة الزوجة الميسورة على أبنائها بعد انحلال عقد الزوجية واجب عليها أيضاً، مع أن واقع حال المرأة المغربية يفيد بأنها تشتغل وتتقاسم مع الرجل تحمل مصاريف الأسرة”.
قد تبدو مسألة النفقة مثل الحاجز القابل للتجاوز في نقاشات المجتمع، لكن بالنسبة لبعض النساء، فإن المسألة فيها “حيف” و”ظلم” و”حرمان من حق شرّعه الدين”، والحديث هنا عن النفقة لما بعد انحلال عقد الزواج؛ يعني الطلاق. في الطريق نفسه تمشي مواقف المحافظين الذين يعتبرون مثل هذه الخطوات هدامة لبنية الأسرة ثم المجتمع، لذلك فإن النقاش سيحتد ويتصاعد في قابل الأيام حول الجدل الحقوقي المغربي.
وقالت “جمعية التحدي للمساواة والمواطنة”، في بيان اطلعت “القدس العربي” عليه، إنها تتابع “النقاش الدائر حول أهمية وضرورة (النفقة المشتركة بين الزوجين) حال انعقاد ميثاق الزوجية أو على الأبناء بعد انحلالها”.
وفي سياق ما يشبه دعم وزير العدل في تصريحاته حول الموضوع، أشارت الجمعية إلى أن النفقة المشتركة بين الزوجين “شكلت أولاً أحد المطالب المركزية للحركة النسائية الوطنية، وهو المطلب الذي ضمناه في مذكرة المطالب المقدمة لنظر الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، ويستند هذا المطلب من جهة، إلى التوجه الحاسم لدستور 2011 في ما يهم المساواة الكاملة بين النساء والرجال إلى جانب مصادقة المغرب على الاتفاقية الدولية لمناهضة كل أشكال التمييز ضد المرأة، ومن جهة ثانية إلى عدد من التقارير والدراسات المهمة لعدد من المؤسسات الاستشارية الوطنية وأجهزة الدولة المغربية، والتي أكدت بشكل قطعي ضرورة الانتباه إلى مساهمة المرأة المغربية في النفقة على أسرتها، ولا سيما إلى القيمة المادية للعمل المنزلي الذي تقوم به، وإلى ضرورة ترجمة ذلك على مستوى تمتعها بحقوقها الكاملة والمتساوية مع الرجل”.
وقالت الجمعية إن “سؤال نفقة الزوجة أو المرأة المغربية على أسرتها بشكل عام، من عدمه” يلزمها كهيئة “تشتغل بشكل يومي وتحتك بواقع المرأة المغربية” أن تساهم في تنوير الرأي العام الوطني وإطلاعه على معطيات رسمية، مثل جواب أكثر من 67 في المئة من المغاربة عن سؤال هل يجب على النساء اللواتي يتوفرن على دخل المساهمة في نفقة الأسرة الذي وجهته الوزارة المكلفة بالتضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية برسم سنة 2016، بنعم. وفي السياق نفسه يرى غالبية المستجوبين ضرورة إلزام الزوجة المتوفرة على دخل قار بالمساهمة في نفقة الأسرة.
وبخصوص “الاعتراف بالعمل المنزلي الذي تقوم به النساء كمساهمة مادية في تحمل نفقات الأسرة، فإن 73 في المئة من المستجوبين أجابوا بنعم، وقد علل المستجوبون الذين اعترفوا للمرأة بالقيمة المادية للعمل المنزلي ذلك بأنه لم يعد جزءًا من الدور الطبيعي للمرأة، بحكم حضورها في سوق العمل.
وحسب الجمعية، فإن “هذه النتائج المعبر عنها بأغلبية لفائدة المساواة في الحقوق داخل الأسرة، سواء حينما يتعلق الأمر بمساهمة الزوجين معاً في النفقة والاعتراف بالعمل المنزلي كمساهمة مادية للزوجات في نفقات البيت، وبالتالي اقتسام الأموال المكتسبة في فترة الزوجية حال انحلال ميثاق الزوجية، يؤكد الحاجة الماسة لتغيير التشريعات الوطنية القائمة وفي مقدمتها مدونة الأسرة”.
وأبرزت في البيان ذاته، أن المعطيات المقدمة برسم سنة 2016 أعيد تأكيدها سنة 2022 من خلال الدراسة الميدانية الوطنية لمجلس النواب حول القيم وتفعيلها المؤسسي: تغيرات وانتظارات لدى المغاربة، حيث عبّر 78 في المئة من المستجوبين حين طرح سؤال المساواة بين الزوجين، بشكل حاسم أن من شأن تفعيلها أن يعزز الرابط الأسري”.
ووفق بيان الجمعية، فقد “حسمت هذه التقارير والدراسات الميدانية الوطنية التي أنتجتها مؤسسات وطنية داخلية لا هم لها إلا خدمة الأسرة المغربية، موضوع النفقة المشتركة بين الزوجين، وحتمية اعتبار العمل المنزلي للمرأة مساهمة منها في هذه النفقة، وأن المسؤولية اليوم مشتركة بين جميع الحساسيات الوطنية الجادة والراغبة في بناء مجتمع مغربي سليم وأسرة متوازنة ومستدامة، وأن تدفع بتنفيذ هذه المخرجات وترجمتها على مستوى التشريعات الوطنية”.
تصريحات وزير العدل المغربي حول إلزام الزوجة بالنفقة المشتركة تثير جدلاً… وناشطة حقوقية لـ«القدس العربي»: «المساواة قيمة لا تتجزأ إما أن نأخذها كاملة أو نتركها كاملة»

التعليقات معطلة.